الخميس، 27 ديسمبر 2012

أبناء "ماو" الديمقراطيون ... من بكين إلى توكمادي


ثورة الفلاحين
"اذهبوا للريف وتعلموا من الفلاحين" كان هذا هو شعار المرحلة في خضم الثورة الثقافية التي أعلنها الزعيم الشيوعي الصيني ماو عام 1966 والتي ذهب ضحيتها آلاف المثقفين الذين يختلفون مع الرجل سياسيا ورغم ذالك كان لهذه الثورة صداها الواسع في مختلف أنحاء العالم وفي مناطق منه ربما لم يسمع بها الزعيم الصيني يوما ...
قرية توكمادي في الجنوب الموريتاني كانت على موعد مع الزعيم الصيني في إحدى أيامها المنسية التي ستتحول إلى تاريخ أساسي ومهم لإحدى أهم الحركات السياسية الموريتانية ..
ففي أحد أيام العام 1972 اجتمعت مجموعة من "أبناء" الزعيم الصيني ماو وقرروا إطلاق حركتهم وثورتهم الثقافية من هناك حيث الفلاحين و المضطهدين كان الحلم "الماوي" يداعب مخيلاتهم والفلاح هو الفلاح سواء كان في ريف الصين أو على ضفاف نهر السنغال ...
اجتمعت مجموعة قليلة في هذه القرية تضممحمدن ولد أشدو، محمد المصطفى ولد بدر الدين، محمدن ولد عابدين، عينينا ولد أحمد الهادي، سيدي محمد ولد سميدع، أحمدو ولد عبد القادر
 وأعلنت هذه المجموعة إنطلاقة حركة الماويين الموريتانيين أو حركة الكادحين كما يحلو لهم ...


كادحون ... حتى النهاية


للثورة ثمنها و رحلة النضال لابد فيها من الصبر و التضحية .. استحضر الكادحون كل ذالك وبدؤوا ثورتهم على نظام المختار يحوهم أمل كبير أن يروا "جحافل الماويين الموريتانيين" وهم يحملون "كتابهم الأحمر" وقد تربعوا على قيادة هذا البلد الذي استقل حديثا عن فرنسا و يعاني من إختلالات بنيوية عميقة ليس أقلها التمييز الطبقي البين ...
أرادوا لكل الشعب أن يثور .. آن لسكان "آدوابه" أن يدركوا أنهم مضطهدون من قبل "إقطاعييين" يستغلونهم بإسم الدين.. آن للمرأة أن تخرج لميادين الحياة فليس صحيحا أن حياتها تبدأ من البيت وتنتهي  بالقبر.. آن للشباب أن يثور على الأفكار البالية التي يتم تلقينها له صباح مساء ... هي إذن ثورة كل الطبقات و كل الأعمار وكل الفئات ..

الثمن الغالي

استتب الأمر للمختار ولد داداه بعد ان أنهى صراعه مع النهضة والمغرب ولم يعد يكدر صفوحكمه اي منغص ودارت الأيام و إذا بجدران انواكشوط على موعد مع نشرة صباحية "حمراء" ماوية الفكرة بلغة فرنسية وعربية ... بدأت الإعتقالات والتعذيب في صفوف الحركة الوليدة  تحاول "شرطة المختار" جاهدة أن تكشف كل الخلايا السرية دون جدوى .. تبحث عن الطابعات التي تطبع "المناشير" التي تصل لكل مكان وربما يجد المختار نصيبه منها مع أول كأس من "اتاي اصباح" .. لم يفلح كل ذالك ...
يجتمع المختار بقيادات حزب الشعب العتيدة وبالأجهزة الأمنية في محاولة أخيرة لوقف هذه "الفوضى" وهذه "الثورية المقيتة" .. ويقرر بعض "متعجرفي النظام" تصفية القيادي الماوي الرمز "سميدع" وهي التصفية التي ستشعل الثورة من جديد مما جعل المختار ينحني أمام "العاصفة الماوية" و يلبي الكثير من مطالبها الشعبية و التي استغلها في الدعاية لنظامه و تمكن بها من إحداث شرخ داخل الحركة القوية التي كادت أن تنتزعه بالقوة من كرسيه...

ماوية .... بقيادتين

انشقت الحركة الماوية "الكادحون" إلى فصيلين فصيل دخل في حوار مع المختار يضم أساسا ماكان يعرف ب"مجموعة تولوز" ومن أشهرها قادتها المصطفى ولد اعبيد الرحمن والفصيل الثاني رفض الحوار وظل معارضا لكل الأنظمة المتعاقبة و يقوده "ماو الصغير" محمد ولد مولود والكادح الكبير المصطفى ولد بدر الدين وهذا الفصيل يطلق عليه الحركة الوطنية الديمقراطية ..

الماويون... والعسكر
في نهاية السبعينات انقلب الجيش على المختار بعد دخوله في حرب مع جبهة البوليساريو و دخلت البلاد في مرحلة الحكم العسكري حاول "الماويون" الوصول إلى الحكم عبر إنقلاب عسكري نفذه جناحهم المسمى التحالف من أجل موريتانيا ديمقراطية AMD فشلت المحاولة وأعدم هيداله العديد من قادتها ...
تعاقب العسكريون على الحكم وباتت لغة الإنقلابات أقوى من لغة الثورة وظل "الماويون " منقسمين بين مؤيد ومعارض لحكم العسكر وإنقلاباتهم ...

ديمقراطيون.... ولكن 

في مطلع التسعينات دخلت موريتانيا نادي "الديمقراطية الشكلية" وتشكلت الأحزاب السياسية  وفي الإنتخابات الرئاسية دعم "الماويون" جناح ولد مولود وبدر الدين المرشح المعارض أحمد ولد داداه الذي خسر الإنتخابات و شكل حزبا سياسيا ضم مختلف القوى السياسية المعارضة لولد الطايع ومن ضمنها "الماويون الموريتانيون" ...
  
ماويون... ديمقراطيون
انفصل "الماويون الموريتانيون" جناح مولود وبدر الدين عن حزب إتحاد القوى الديمقراطية برئاسة أحمد ولد داداه ودخلوا معه في نزاعات قانونية وبعد حل الحزب شكلوا حزبهم الجديد بإسم "إتحاد قوى التقدم الذي ضم أغلب القيادات التاريخية "للماويين" الكادحين أمثال مولود وبدر الدين و ناجي و لوكورمو ...
الحزب الجديد لم يكن ثوريا كان يفضل "لغة الحوار" حتى مع نظام لايفهم تلك اللغة كنظام ولد الطايع وبات من شبه المؤكد أن الثورية عفى عليها الزمن في قواميس "الماويين" ...
لاثورة -إذن- حتى ولو كانت ثقافية على طريقة ماو ... المفهوم الجديد للثورة هو صناديق الإقتراع و المظاهرات و الحوار وربما دعم بعض الحركات الشبابية الحالمة بثورة على غرار ثورة الآباء التي لم تكتمل ...

ماو ... وتوكمادي

فلاحو توكمادي مازالوا يعانون ولم تنطلق الثورة من مزارعهم وربما ضاعت أو احترقت او حرقت كل "كتب ماو الحمراء" وتناسى أغلب "الثوريين الماويين" مآسي مزارعي الضفة وحدها مقاهي باريس تبقى شاهدة على أن نضال "الكادحين" لم يذهب سدى فأبناؤهم يدرسون أو يعملون  في "مدينة الأنوار" ويحتسون "قهوة الصباح" مع جميلات فرنسا وشققهم الفاخرة التي يقضي فيها "الآباء الثوريون" عطلهم السنوية تؤكد أن "ثورة الفلاحين" كانت ناجحة جدا !!!!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق